سورة العنكبوت - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)}
{أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن *يَسْبِقُونَا} قال مجاهد: أي يعجزونا فلا نقدر على مجازاتهم على أعمالهم والانتقام منهم وأصل السبق الفوت، ثم أريد منه ما ذكر. وقيل: أي يعجلونا محتوم القضاء، والأول أولى.
وفسر قتادة على ما أخرجه عنه عبد بن حميد. وابن جرير {السيئات} بالشرك والجمع باعتبار تعدد المتصفين به وإطلاق العمل على الشرك سواء قلنا إنه ما كان عن فكر وروية كما قيل: أو عن قصد كما قال الراغب: أم لا لا ضير فيه لأنه يكون بعبادة الأصنام وغيرها، وقيل: المراد بالسيئات المعاصي غير الكفر فالآية في المؤمنين قطعًا، وهم وإن لم يحسبوا أن يفوتوه تعالى ولم تطمع نفوسهم في ذلك لكن نزل جريهم على غير موجب العلم وهو غفلتهم وإصرارهم على المعاصي منزلة من لم يتيقن الجزاء، ويحسب أنه يفوت الله عز وجل.
وعمم بعضهم فحمل السيئات على الكفر والمعاصي، وتعليق العمل بها بناءً على تسليم تخصيصه بما سمعت يحتمل أن يكون باعتبار التغليب، وظاهر الآثار يدل على أن هذه الآية نزلت في شأن الكفرة، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: يريد سبحانه بالذين يعملون السيئات الوليد بن المغيرة. وأبا جهل. والأسود. والعاصي بن هشام. وشيبة. وعتبة. والوليد بن عتبة. وعتبة بن أبي معيط. وحنظلة بن وائل وأنظارهم من صناديد قريش، وفي البحر أن الآية وإن نزلت على سبب فهي تعم جميع من يعمل السيئات من كافر ومسلم، والظاهر أن {أَمْ} منقطعة عنى بل التي للإضراب عنى الانتقال وهو انتقال من إنكار حسبان عدم الفتن لمجرد الإيمان إلى إنكار حسبان عدم المجازاة على عمل السيئات.
وقال ابن عطية: {أَمْ} معادلة للهمزة في قوله تعالى: {أَحَسِبَ} [العنكبوت: 2] وكأنه سبحانه قرر الفريقين، قرر المؤمنين على ظنهم أنهم لا يفتنون، وقرر الكافرين الذين يعملون السيئات في تعذيب المؤمنين وغير ذلك على ظنهم أنهم يسبقون نقمات الله تعالى ويعجزونه انتهى. ورد بأنها لو كانت معادلة للهمزة لكانت متصلة والتالي باطل لأن شرط المتصلة أن يكون ما بعدها مفردًا نحو أزيد قائم أم عمرو أو ما هو في تقدير المفرد نحو أقام زيد أم قعد وجوابها تعيين أحد الشيئين أو الأشياء وبعدها هنا جملة؛ ولا يمكن الجواب هنا أيضًا بأحد الشيئين فالحق أنها منقطعة والاستفهام الذي تشعر به إنكاري لا يحتاج للجواب كما لا يخفى، والظاهر أن الحسبان متعد إلى مفعولين وأنَّ {أَن يَسْبِقُونَا} ساد مسدهما.
وجوز الزمخشري هنا أن يضمن معنى التقدير فيكون متعديًا لواحد وإن يسبقونا هو ذلك الواحد، وتعقبه أبو حيان بأن التضمين ليس بقياس ولا يصار إليه إلا عند الحاجة إليه {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي بئس الذي يحكمونه حكمهم ذلك على أن ساء عنى بئس و{مَا} موصولة و{يَحْكُمُونَ} صلتها، والعائد محذوف وهي فاعل ساء، والمخصوص بالذم محذوف أو بئس حكمًا يحكمونه حكمهم ذلك على أن ما موصوفة ويحكمون صفتها والرابط محذوف وهي تمييز وفاعل ساء ضمير مفسر بالتمييز والمخصوص محذوف أيضًا.
وقال ابن كيسان: {مَا} مصدرية، والمصدر المؤول مخصوص بالذم فالتمييز محذوف، وجوز كون ساء عنى قبح وما إما مصدرية أو موصولة أو موصوفة، والمضارع للاستمرار إشارة إلى أن دأبهم ذلك أو هو واقع موقع الماضي لرعاية الفاصلة وكلا الوجهين حكاهما في البحر، والأول أولى، وعندي أن مثل هذا لا يقال: إلا في حق الكفرة.


{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)}
{مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله} أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه قال: أي من كان يخشى البعث في الآخرة فالرجاء عنى الخوف كما في قول الهذلي في وصف عسال:
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها *** وخالفها في بيت نوب عوامل
ولعل إرادة البعث من لقائه عز وجل لأنه من مباديه، وقيل: لعل جعل لقاء الله تعالى عبارة عن الوصول إلى العاقبة إلا أنه لما كان البعث من أعظم ما يتوقف ذلك عليه خصه بالذكر، وفي الكشاف أن لقاء الله تعالى مثل للوصول إلى العاقبة من تلقي ملك الموت والبعث والحساب والجزاء، مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل؛ وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر فأما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله أو بضد ذلك لما سخطه منها، فمعنى {مَن كَانَ} إلخ من كان يأمل تلك الحال وإن يلقى فيها الكرامة من الله تعالى والبشرى، فالكلام عنده من باب التمثيل والرجاء عنى الأمل والتوقع.
وجوز أن يكون عنى ذلك إلا أن الكلام بتقدير مضاف أي من كان يتوقع ملاقاة جزاء الله تعالى ثوابًا أو عقابًا أو ملاقاة حكمه عز وجل يوم القيامة وأن يكون عنى الخوف، والمضاف محذوف أيضًا أي من كان يخاف ملاقاة عقاب الله تعالى، وأن يكون عنى ظن حصول ما فيه مسرة وتوقعه كما هو المشهور، والمضاف كذلك أيضًا، أي من كان يرجو ملاقاة ثواب الله تعالى، ويجوز أن لا يقدر مضاف، ويجعل لقاء الله تعالى مجازًا عن الثواب لما أنه لازم له.
واختار بعضهم أن الرجاء عناه المشهور وأن لقاء الله تعالى مشاهدته سبحانه على الوجه اللائق به عز وجل كما يقوله أهل السنة والجماعة إذ لا حاجة للخروج عن الظاهر من غير ضرورة وما حسبه المعتزلي منها فليس منها كما بين في علم الكلام أي من كان يتوقع مشاهدة الله تعالى يوم القيامة التي لا نعيم يعدلها ويلزمها الفوز بكل خير ونعيم {فَإِنَّ أَجَلَ الله} الأجل غاية لزمان ممتد عينت لأمر من الأمور، وقد يطلق على كل ذلك الزمان، والأول أشهر في الاستعمال أي فإن الوقت الذي عينه جل شأنه لذلك {لأَتٍ} لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لأن أجزاء الزمان على التقضي والتصرم دائمًا، ومجيء ذلك الوقت كناية عن إتيان ما فيه ووقوعه، والجملة الاسمية قائمة مقام جواب الشرط وهي في الحقيقة دليل الجواب المحذوف أي فليبادر ما ينفقه من امتثال الأوامر واجتناب المناهي أو فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو نحوه ذلك مما يلائم الشرط فتدبر.
وقيل: يجوز أن تكون هي الجواب على أن المراد بها المعنى الملائم للشرط كما ذكر {وَهُوَ السميع} جل شأنه لأقوال العباد {العليم} بأحوالهم من الأعمال الظاهرة والعقائد والصفات الباطنة، والجملة تذييل لتحقيق حصول المرجو والمخوف وعدًا ووعيدًا {وَمِنْ جاهد} في طاعة الله عز وجل.


{وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)}
{فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ} لعود المنفعة من الثواب المعد لذلك إليها {إِنَّ الله لَغَنِىٌّ عَنِ العالمين} فلا حاجة له إلى طاعتهم وإنما أمرهم سبحانه بها تعريضًا لهم للثواب وجب رحمته وحكمته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8